كانت في العرب أوساط متنوعة ، تختلف بعضها عن بعض ، فكانت علاقة الرجل مع أهله في الاشراف درجة كبيرة من الرقي والتقدم
وكان لها من حرية الارادة ونفاد القول القسط الا وفر ، وكانت محترمة ومصونة تسل دونها السيوف ، وتراق الدماء ، وكان الرجل إذا أراد
أن يمتدح بما له في نظر العرب المقام السامي من الكرم و الشجاعة لم يكن يخاطب في أكثر أوقاته الا المرأة ، وربما كانت المرأة إذا شاءت
جمعت القبائل للسلام ، وإن شاءت أشعلت بينهم نار الحرب و القتال ، ومع هذا كله فقد كان الرجل يعتبر بلا نزاع رئيس الاسرة ، وصاحب
الكلمة فيها ، وكان ارتباط الرجل بالمرأة بعقد الزواج تحت اشراف أوليائها ولم يكن من حقها أن تفتات عليهم .
بينما كانت هذه حال الا شراف ، كان هناك في الاوساط الاخرى أنواع من الاختلاط بين الرجل والمرأة ، لا نستطيع أن نعبر عنه الا بالدعارة
والمجون والسفاح والفاحشة ، روى أبو داود عن عائشة رضى الله عنها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء :
فكان منها نكاح الناس اليوم ، يخطب الرجل إلى الرجل وليته فيصدقها ثم ينكحها ، ونكاح آخر : كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من
طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذى تستبضع منه ،
فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب ، وإنمايفعل ذلك رغبة في الولد ، فكان هذا النكاح يسمى ( نكاح الاستبضاع )
ونكاح آخر : يجتمع الرهط دون العشرة . فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها . فإذا حملت ، ووضعت ومرت ليال بعد أن تضع
حملها أرسلت إليهم ، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها ، فتقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم
وقد ولدت ، وهو ابنك يا فلان ، فتسمي من أحبت منهم باسمه فيلحق به ولدها ونكاح رابع : يجتمع الناس الكثير
فيدخلون على المرأة لا تمتنع عمن جاءها . وهن البغايا ، كن ينصبن على أبوابهن رايات ، تكن علماً لمن أرادهن
دخل عليهن ، فإذا حملت فوضعت حملها جمعوا لها ، ودعوا لهم القافلة ، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطه
ودعي ابنه ، لا يمتنع من ذلك ، فلما بعث الله محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) هدم نكاح أهل الجاهلية كله الا
نكاح الاسلام اليوم.وكانت عندهم اجتماعات بين الرجل والمرأة تعقدها شفار السيوف ، وأسنة الرماح ، فكان المتغلب في حروب القبائل يسبي نساء
المقهور فيستحلها ، ولكن ألاولاد الذين تكون هذه أمهم يلحقهم العار مدة حياتهم . وكان من المعروف في أهل الجاهليه أنهم كانوا
يعددون بين الزوجات من غير حد معروف ينتهي إليه، وكانوا يجمعون بين الاختين ، وكانوا يتزوجون بزوجة آبائهم إذا طلقوها
أو ماتوا عنها ( سورة النساء 22، 32 ) وكان الطلاق بيد الرجال لا إلى حد معين . وكانت فاحشة الزنا سائده في جميع الاوساط
لا نستطيع أن نخص منها وسطأ دون وسط أو صنفا دون صنف ، إلا أفرادا من الرجال والنساء ممن كان تعاظم نفوسهم يأبى
الوقوع في هذه الرزيله ، وكانت الحرائر أحسن حالا من الاماء والطامة الكبرى هى الاماء ، ويبدو أن الاغلبية الساحقة من
أهل الجاهلية لم تكن تحس بعار في الانتساب إلى هذه الفاحشة ، روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده قال : قام رجل فقال : يا رسول الله إن فلاناً ابني ، عاهرت بأمه ، في الجاهليه ، فقال رسول الله ( صلى الله
عليه وسلم ) لا دعوة في الاسلام ، ذهب أمر الجاهلية . الولد للفراش وللعاهرة الحجر . وقصة اختصام سعد بن أبي
وقاص وعبد بن زمعه في ابن أمة زمعة - وهو عبد الرحمن بن زمعة - ( معروفة أبو داود الولد للفراش )
وكانت علاقة الرجل مع أولاده على أنواع شتى فمنهم من يقول :
إنما أولادنا بيننا .............. أكبادنا تمشي على الا رض
ومنهم من كان يئد البنات خشية العار والانفاق ، ويقتل الاولاد خشية الفقر والاملاق ولكن لا يمكننا أن نعد
هذا من الاخلاق المنتشرة السائده ، فقد كانوا أشد الناس احتياجا إلى البنين ، ليتقوا بهم العدو
أما معاملة الرجل مع أخيه وابناء عمه وعشيرته فقد كانت موطدة قوية ، فقد كانوا يحيون للعصبية
القبلية ، ويموتون لها . وكانت روح الاجتماع سائدة بين القبيلة الواحدة تزيدها العصبية ، وكان
اساس النظام الاجتماعي هو العصبية الجنسية والرحم ، وكانوا يسيرون على المثل السائر
( انصر أخاك ظالماًأو مظلوما ) على المعنى الحقيقى ، من غير التعديل الذي جاء به الاسلام م
من أن نصر الظالم كفه عن ظلمه ، إلا أن التنافس في الشرف والسؤدد كثيراً ما كان يفضي إلى
الحروب بين القبائل التي كان يجمعها أب واحد ن كما نرى ذلك بين الاوس والخزرج ، وعبس
وذبيان وبكر وتغلب وغيرها.
أما العلاقة بين القبائل المختلفة فقد كانت مفككة الاوصال تماماً، وكانت قواهم متفانية في
الحروب . الا أن الرهبه والوجل من بعض التقاليد والعادات المشتركة بين الدين والخرافة
ربما كان يخفف من حدتها وصرامتها وفي بعض الحالات كانت المولاة والحلف والتبعية
تفضي إلى اجتماع القبائل المتغايرة ، وكانت الاشهر الحرم رحمة وعوناً لهم على حياتهم
وحصول معايشهم .
وقصارى الكلام أن الحالة الاجتماعية كانت في الحضيض من الضعف والعماية فالجهل
ضارب أطنابه ، والخرافات لها جولة وصولة والناس يعيشون كالانعام ،والمرأة تباع
وتشترى وتعامل كالجمادات أحياناً والعلاقة بين الامة واهية مبتوتة ، وما كان من
الحكومات فجل همها امتلاء الخزائن من رعيتها ، أو جر الحروب على مناوئيها
أما الحالة الاقتصادية ، فتبعت الحالة الاجتماعية ، ويتضح ذلك إذا نظرنا في طرق معايش
العرب . فالتجارة كانت أكبر وسيلة للحصول على حوائج الحياة ، والجولة التجارية لا تتيسر إلا
إذا ساد الامن والسلام ، وكان ذلك مفقوداً في جزيرة العرب إلا في الاشهر الحرم ، وهذه هي الشهور
التي كانت تعقد فيها أسواق العرب الشهيرة من عكاظ وذي المجاز ومجنة وغيرها .
وأما الصناعات فكانوا أبعد الامم عنها ، ومعظم الصناعات التي كانت توجد في العرب
من الحياكة والدباغة وغيرها كانت في أهل اليمن والحيرة ، ومشارف الشام ، نعم كانت
في داخل الجزيرة الزراعة والحرث واقتناء الانعام ، وكانت نساء العرب كافة يشتغلن
بالغزل ، لكن كانت الامتعة عرضة للحروب ، وكان الفقر والجوع والعري عاماً في المجتمع .
لا ننكر أن أهل الجاهلية كانت فيهم دنايا ورذائل وأمور ينكرها العقل السليم ، و يأبها الوجدان ، ولكن كانت فيهم من الاخلاق
الفاضلة المحموده ما يروع الانسان ، ويفضي به الى الدهشه والعجب ، فمن تلك الاخلاق .
1- الكــــــــــــرم : وكانو يتبارون في ذلك ويفتخرون به ، وقد استنفدوا فيه نصف أشعارهم ، بين ممتدح به ومثن علي غيره ،
كان الرجل يأتيه الضيف في شدة البرد و الجوع ، وليس عنده من المال الا ناقته التي هي حياته وحياة اسرته ، فتأخذه هزه
الكرم ، فيقوم اليها ، ويذبحها لضيفه ، ومن آثار كرمهم أنهم كانوا يتحملون الديات الهائله والحمالات المدهشه ، يكفون بذلك
سفك الدماء ، وضياع الانسان ، ويمتدحون بها مفتخرين على غيرهم من الرؤساء والسادات .
وكان من نتائج كرمهم أنهم كانوا يتمدحون بشرب الخمر ، لا لانها مخره في ذاتها ، بل لانها سبيل من سبل الكرم ، ومما يسهل
السرف على النفس ، لاجل ذلك كانوا يسمون شجر العنب بالكرم ، وخمره ببنت الكرم ، وإذا نظرت إلى دوواين أشعار الجاهليه
تجد ذلك بابا من أبواب المديح والفخر ، يقول عنتره بن شداد العبسي في معلقته :
ولقد شربت من المدامة بعدما ......... ركد الهواجر بالمشوف المعلم
بزجاجة صفراء ذات أسرة ......... قُرنت بأزهر بالشمال مفدم
فإذا شربت فإنني مستهلك ........... مالي ، وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى ....... وكما علمت شمائلي وتكرمي
ومن نتائج كرمهم اشتغالهم بالميسر ، فإنهم كانوا أنه سبيل من سبل الكرم ، لانهم كانوا يطعمون المساكين ما ربحوه ، أو ما كان
يفضل عن سهام الرابحين ، ولذلك ترى القرآن لا ينكر نفع الخمر والميسر وانما يقول ( واثمهما أكبر من نفعهما )
2- ومن تلك الاخلاق الوفاء بالعهد ، فقد كان العهد عندهم ديناً يتمسكون به ، و يستهنون في سبيله قتل أولادهم
وتخريب ديارهم ، وتكفي في معرفة ذلك قصة ابن هانيء بن مسعود الشيباني ، والسموأل بن عاديا ، وحاجب بن
زرارة التميمي .
3- ومنها عزة النفس واباء عن قبول الخسف والضيم ، وكان من نتائج هذا فرط الشجاعة ،
وشدة الغيرة ،وسرعة الانفعال ، فكانوا لا يسمعون كلمة يشمون منها رائحة الذل والهوان
الا قاموا الى السيف و السنان ، وأثاروا الحروب العوان ، وكانوا لا يبالون بتضحية أنفسهم
في هذا السبيل.
4- ومنها المضي في العزائم ، فإذا عزموا على شيء يرون فيه المجد ، والافتخار لا يصرفهم
عنه صارف ، بل كانوا يخاطرون بأنفسهم في سبيله . -
5- ومنها الحلم ، والاناة ، والتؤدة ، كانوا يتمدحون بها إلا كانت فيهم عزيزة الوجود ، لفرط
شجاعتهم ، وسرعة إقدامهم على القتال .
6- ومنها السذاجة البدوية ، وعدم التلوث بلوثات الحضارة ، ومكائدها ، وكان من نتائجة الصدق
والامانة ، والنفور عن الخداع والغدر .
نرى أن هذه الاخلاق الثمينة - مع ما كان لجزيرة العرب من الموقع الجغرافي بالنسبة الى العالم
كانت سبباً في اختيارهم لحمل عبء الرساله العامه وقيادة الامة الانسانية والمجتمع البشري
لان هذه الاخلاق وان كان بعضها يفضي الى الشر ، ويجلب الحوادث المؤلمة ، الا انها كانت
في نفسها أخلاقاً ثمينة ، تدر المنافع العامة للمجتمع البشري بعد شيء من الاصلاح ، وهذا الذي
فعله الاسلام . ولعل أغلى ما عندهم من هذه الاخلاق وأعظمها نفعاً بعدَ الْوفاء بالعهد هو عزة
النفس والمضي في العزائم ، إذ لا يمكن قمع الشر والفساد ، واقامة نظام العدل والخير ، الا
بهذه القوة القاهرة ، وبهذا العزم الصميم .
كان معظم العرب اتبعوا دعوة إسماعيل - عليه السلام - حين دعاهم إلى دين أبيه إبراهيم -عليه السلام - فكانت
تعبد الله وتوحده وتدين بدينه ، حتى طال عليهم الامد ونسوا حظاً مما ذكروا به ، الا إنهم بقي فيهم التوحيد
وعدة شعائر من دين إبراهيم ، حتى جاء عمرو بن لحي رئيس خزاعة ، وكان قد نشأ على أمر عظيم من
المعروف والصدقة والحرص على أمور الدين ، فأحبه الناس ، ودانوا له ظناً منهم أنه من أكابر العلماء
وأفاضل الاولياء ، ثم إنه سافر إلى الشام فرآهم يعبدون الاوثان ، فاستحسن ذلك وظنه حقاً ، لان الشام محل
الرسل والكتب ، فقدم معه بهبل وجعله في جوف الكعبه ، ودعا أهل مكة إلى الشرك بالله ، فأجابوه . ثم
لم يلبث أهل الحجاز أن تبعوا أهل مكة ، لأنهم ولاة البيت وأهل الحرم . ومن أقدم أصنامهم مناة ، كانت
بالمشلل على ساحل البحر الاحمر بالقرب من قديد ، ثم اتخذوا اللات في الطائف ، ثم اتخذوا العزى بوادي نخلة ،
هذه الثلاث أكبر أوثانهم ، ثم كثر الشرك ، وكثرت الاوثان في كل بقعة من الحجاز ، ويذكر أن عمرو بن لحي
كان له رئى من الجن ، فأخبره بأن أصنام قوم نوح - وداًوسوعاً ويغوث ويعوق ونسراً - مدفونة بجدة فأتاها فاستثارها ،
ثم أوردها إلى تهامة ، فلما جاء الحج دفعها الى القبائل فذهبت بها الى أوطانها ، حتى صار لكل قبيلة ثم في كل بيت صنم .
وقد ملأوا المسجد الحرام بالاصنام ، ولما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وجد حول البيت ثلاثمائة وستين
صنماً فجعل يطعنها حتى تساقطت ، ثم أمر بها فأخرجت من المسجد وحرقت
وهكذا صار الشرك وعباده الاصنام اكبر مظهر من مظاهر دين أهل الجاهلية ، الذين كانوا يزعمون أنهم على دين إبراهيم.
وكانت لهم تقاليد ومراسم في عبادة الاصنام ، ابتدع اكثرها عمرو بن لحي ، وكانوا يظنون ان ما أ حدثه عمرو بن لحي بدعة حسنه ،
وليس تغير لدين إبراهيم فكان من مراسم عبادتهم للاصنام أنهم :
1-كانوا يعكفون عليها ، ويلتجئون اليها .. ويهتفون بها ، ويسغيثونها في الشدائد ، ويدعونها لحاجاتهم ، معتقدين انها تشفع
عند الله ، وتحقق لهم ما يريدون.
2- وكانوا يحجون اليها ويطوفون حولها ، ويتذللون عندها ، ويسجدون لها .
3- وكانوا يتقربون اليها بأنواع من القرابين ، فكانوا يذبحون وينحرون لها وبأسمائها.
وهذان النوعان من الذبح ذكرهما الله تعالى في قوله ( وما ذبح على النُصب ) وفي قوله ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه )
4- وكان من أنواع التقرب أنهم كانوا يخصون للاصنام شيئاً من مآكلهم ومشاربهم حسبما يبدوا لهم ، وكانوا يخصون
لها نصيباً من حرثهم وأنعامهم . ومن الطرائف أنهم كانوا يخصون من ذلك جزءاً لله ايضاً، وكانت عندهم أسباب
كثيراً ما كانوا ينقلون لاجلها الى الاصنام ما كان الله، ولكن لم يكونوا ينقلون الى الله ما كان لاصنامهم بحال ،
قال تعالى : ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائهم فما كان
لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله فهو يصل الى شركائهم ســـــــــآء ما يحكمون )
5- وكان من أنواع التقرب الى الاصنام النذر في الحرث والانعام ز قال تعالى ( وقالوا هذه أنعام وحرث حِجر لا
يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حُرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراءاً عليه )
6- وكانت منها البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي . قال ابن اسحاق : البحيرة بنت السائبة ، وهي الناقة اذا
تابعت بين عشرة إناث ليس بينهن ذكر سيبت ، فلم يركب ظهرها ، ولم يشرب لبنها الا ضيف ، ولم يُجز وبرها
فما نتجت بعد ذلك من انثي شقت أذنها ، ثم خلي سبيلها مع امهان فلم يركب ظهرها ، لم يُجز وبرها ،
ولم يشرب لبنها الا ضيف ، كما فعل بأمها. فهي البحيرة بنت السائبة .
الوصيلة : الشاة إذا أتامت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر جعلت وصيلة .
قالوا قد وصلت ، فكان ما ولد بعد ذلك للذكور منهم دون الاناث الا أن يموت شيء فيشترك في أكله ذكورهم
واناثهم . الحامي : الفحل إذا أنتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر حمي ظهره ، فلم يركب ، ولم يُجز وبره
وخلي في ابله يضرب فيها ، ولا ينتفع منه بغير ذلك ، وفي ذلك أنزل قوله تعالى :
( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حامٍ ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون )
وقوله ( وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصةً لذكورنا ومحرم على أزواجنا وان يكن ميتة فهم فيه شركاء )
وقد صرح سعيد بن المسيب أن هذه الانعام كانت لطواغيتهم وفي الصحيح أن عمرو بن لحي أول من سيب السوائب
كانت العرب تفعل كل ذلك باصنامهم ، معتقدين أنها تقربهم الى الله وتوصلهم اليه وتشفع لديه كما في القرآن:
(ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى ) ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا
عند الله ). وكانت العرب تستقسم بالازلام ، والزلم : القدح الذي لا ريش عليه ، وكانت الازلام ثلاثة أنواع :
نوع فيه ( نعم ولا ) كانوا يستقسمون بها فيما يريدون من العمل من نحو السفر والنكاح وامثالها .
فإن خرج (نعم ) عملوا به وإن خرج (لا ) أخروه عامه ذلك حتى يأتوه مرة أخرى، ونوع فيه المياه والدية ،
ونوع فيه ( منكم - من غيركم ) أو ملصق فكانوا إذا شكّوا في نسب أحدهم ذهبوا به الى هُبل ، وبمائة جزور ،
فأعطوها صاحب القداح . فإن خرج ( منكم ) كان منهم وسيطاً ، وان خرج عليه ( من غيركم ) كان حليفاً، وان
خرج ( ملصق ) كان على منزلته فيهم ، لا نسب ولا حلف .
ويقرب من هذا الميسر والقداح ، وهو ضرب من ضروب القمار، وكانوا يقتسمون به لحم الجزور التي يذبحونها
بحسب القداح .وكانوا يؤمنون بأخبار الكهنه والعرافين والمنجمين ، والكاهن : هو من يتعاطى الاخبار عن الكوائن
في المستقبل، ويدعي معرفة ألاسرار ، ومن الكهنة من يزعم أن له تابعاً من الجن يُلقي عليه الاخبار ، ومنهم من يدعي
إدراك الغيب بفهم أُعطيه ، ومنهم من يدعي معرفة الامور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله
أو فعله أو حاله ، وهذا القسم يسمى عِرافاً، كمن يدعي معرفة المسروق ومكان السرقة والضالة ونحوهما.
والمنجم :من ينظر في النجوم اي الكواكب ، ويحسب سيرها ومواقيتها ، ليعلم به أحوال العالم وحوادثه التي تقع في
المستقبل والتصديق أخبار المنجمين هو في الحقيقة ايمان بالنجوم ، وكان من ايمانهم بالنجوم الايمان بالانواء،
فكانوا يقو لون : أُمطرنا بنوء كذا وكذا ...
وكانت فيهم الطِيره وهي التشاؤم بالشيء ، وأصله أنهم كانوا يأتون الطير أو الظبي فينفرونه ، فإذا أخذ ذات اليمين
مضوا الى ما قصدوا ، وعدوه حسناً ، وان أخذ ذات الشمال انتهوا عن ذلك وتشاءموا ، وكانوا يتشاءمون كذلك ان عرض
الطير أو الحيوان في طريقهم . ويقرب من هذا تعليقهم كعب الارنب ، والتشاؤم ببعض الشهور والايام والحيوانات
والدور والنساء ، والاعتقاد بالعدوى والهامه ، فكانوا يعتقدون أن المقتول لا يسكن جأشه ما لم يؤخذ بثأره ، وتصير روحه
هامة اي بومة تصير في الفلوات وتقول صدى صدى أو اسقوني اسقوني فإذا أُخذ بثأره سكن واستراح .
كان أهل الجاهلية على ذلك وفيهم بقايا من دين إبراهيم ولم يتركوه كله ، مثل تعظيم البيت والطواف به ، والحج ،والعمرة
والوقوف بعرفة ، والمزدلفة واهداء البدن ، نعم ابتدعوا في ذلك بدعاً . منها
أن قريش كانوا يقولون : نحن بنوإبراهيم وأهل الحرم ، وولاة البيت وقاطنوا مكة ، وليس لأحد من العرب حقنا ومنزلتنا -
وكانوا يسمون أنفسهم الحمس - فلا ينبغي لنا أن نخرج من الحرم الى الحل ، فكانوا لا يقفون بعرفة ، ولا يفيضون منها
وانما كانوا يفيضون من المزدلفة وفيهم أُنزل
ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ).
ومنها أنهم قالوا : لا ينبغي للحمس أن يأتقطوا ولا يسلئوا السمن ، وهم حرم ، ولا يدخلوا بيتاً من شعر ، ولا يستظلوا الا في بيوت
الادم ما داموا حرم . ومنها أنهم قالوا : لا ينبغي لاهل الحرم أن يأكلوا من طعام جاءوا به من الحل الي الحرم اذا جاءوا حجاجا أو
عماراً . ومنها أنهم أمروا أهل الحل أن يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم الا في ثياب الحمس ، فإن لم يجدوا شيئاً
فكان الرجال يطوفون عراه ، وكانت المرأه تضع ثيابها كلها الا درعاً مفرجاً ثم تطوف فيه وتقول :
اليوم يبدوا بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
وأنزل الله في ذلك ( يا بني ءادم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) فإن تكرم أحد من الرجل والمرأه فطاف في ثيابه التي جاء بها
من الحل القاها بعد الطواف ، ولا ينتفع بها هؤلاء ولا أحد غيره .
ومنها أنهم كانوا لا يأتون بيوتهم من أبوابها في حال الاحرام ، بل كانوا ينقبون في ظهور البيوت نقباً يدخلون ويخرجون منه
وكانوا يحسبون ذلك الجفاء براً وقد منعه القرآن .
كانت هذه الديانه - ديانة الشرك وعبادة الاوثان ، والاعتقاد بالوهميات والخرافات - ديانة معظم العرب ، وقد وجدت اليهودية ،
والمسيحية ، والمجوسيه والصابئة سبيلاً للدخول في ربوع العرب .
ولليهود دوران - على الاقل - مثلوهما في جزيرة العرب