كانت ولازالت ظاهرة تعاطى المخدرات والمسكرات فى مختلف بلاد العالم، موضع اهتمام السلطات الحكومية. والهيئات المعنيه بالصحة الاجتماعية، كما أنها لازالت موضع اهتمام بالنسبة للمهتمين بالطب النفسى والصحة العقلية والاجتماعية.
ومن الواضح أن هذا الاهتمام يرجع إلى ما يترتب على تعاطى المخدرات والمسكرات من أثار خطيرة تدمر الفرد والأسرة والمجتمع.
وإدمان المخدرات يعد مشكلة صحية بدنية ونفسية، كما أنه مشكلة اقتصادية، إذ أن دخول المخدر للجسم .. بعيداً عن الإشراف الطبى - يؤثر على مختلف أجهزة الجسم من حيث القوة والنشاط والكفاءة الوظيفية كما يسبب بعض الإدمان .
ويؤثر الإدمان على الوظائف العقلية للفرد من حيث الإدراك والتذكر والتصور والتخيل والانتباه والتركيز والإرادة وسلامة التفكير بوجه عام، كما يؤثر على الجانب الانفعالى للشخصية من حيث الرضا والسرور والنشوة والاكتئاب.
وبالنسبة للعلاقات الاجتماعية للمدمن فهى تصل إلى الصفر، إذ لا تكون له أى علاقة إلا بالمخدر وتجاره والشلة التى يتعاطى فى وسطها.
وينعكس التأثير الضار من الناحية البدنية والنفسية على عملية الإنتاج والنشاط الاقتصادى، إذ لا يستطيع المدمن إذا كان يعمل فى المجال الإنتاجى ممارسة وظائفه على الوجه الأكمل، يضاف إلى ذلك تدهور مستوى طموح المدمن، وإمكانات الخلق والابتكار عنده. وقد كشفت إحدى الدراسات على أن المدمن وبخاصة لو كان فنياً لا يستقر فى مهنة واحدة، كما أنه كثير التعطل عن العمل ومستواه المهنى يتدهور تدريجياً، ويترتب على كل ذلك انخفاض أجره بما ينعكس على حياته وأسرته، بما هو سئ. وفى السنوات الأخيرة بدأت تنتشر موجة الإدمان بين الشباب، ولا سيما بين الطلبة.
ولقد بينت إحدى الدراسات الميدانية على ظاهرة الإدمان فى مصر أن 13.8% من العينة بدءوا التعاطى قبل سن 16 سنه و 57.9% بدءوا التعاطى من سن 16 : 22 سنه وأن 73% من العينة واصلوا التعاطى ولم يتمكنوا من مواجهته. وهذا يوضح مدى خطورة المشكلة.
وواجب الجميع. أفراد ومؤسسات الاهتمام بها ودراستها للتمكن من مجابهتها.
2- تعريف الإدمان
هو عمل أو مادة يشعر المدمن برغبة ملحة قهرية مستمرة أن يتم هذا العمل، أو يستعمل هذه المادة مهما كان الثمن.
3- تعريف المادة المخدرة (أو العقار)
هى كل مادة خام أو مستحضرة تحتوى على مواد مسكنة أو منبهه، من شأنها إذا استخدمت فى غير الإغراض الطبية أو الصناعية المواجهة، أن تؤدى بالفرد إلى حالة من الاعتماد عليها، مما يضر بالفرد جسمياً ونفسياً واجتماعياً.
والاعتماد هو:
نمط فى سوء التكيف على استخدام العقاقير، يؤدى إلى تدهور ملحوظ، مما يتضح فى ثلاث أو أكثر من الآتى:
1- الاحتياج فى زيادة ملحوظة للعقار للوصول إلى التأثير المرغوب.
2- أعراض جسمانية ونفسية تظهر عند التوقف عن استخدام العقار.
3- أخذ العقار بكميات أكبر ولمدة أطول مما كان ينوى الشخص عند بداية التعاطى.
4- هناك رغبة ملحة ودائمة للتعاطى، يقابلها محاولات فاشلة للإقلاع أو التحكم فى تعاطى العقار.
4- من هو المدمن؟
1- هو شخص فى المجتمع غير متزن - غير واضح - غير مستقر.
2- أنانى يركز على ذاته دون أدنى اهتمام بصالح الآخرين، ولا يهتم إلا بمشاكله الخاصة به.
3- مشكلته الرئيسية الحفاظ على مورد المخدرات، أو الإشباع الفورى لرغبته للمخدرات. ويتبع أى وسيلة مهما كانت خطورتها لإشباع تلك الرغبة الملحة الشديدة.
4- يفتقر إلى النظام الذاتى وقدرة الإرادة والطموح، ولا تتوافر لديه الثقة بالنفس، ولا الإيمان بشخصيته ويتجنب المسئولية.
5- درجة استعداده للألم بكل أنواعه عالية للغاية، ولا يستطيع تحمل النقد ولا احتمال الإحباط.
6- فشل فى تطور علاقاته الإنسانية الطبيعية - وتميل علاقاته الشخصية إلى أن تقتصر على الأعضاء الآخرين فى عالم مدمنى المخدرات، وهكذا يصبح منبوذاً اجتماعياً، ويعيش فى وحدة قاسية.
5- أسباب الإدمان
توجد أسباب كثيرة تدفع الإنسان للدخول فى دائرة الإدمان، وهنا يلزم أن نفرق بين الأنواع المختلفة فى الناس المتعاطين.
أولاً: المتعاطين الذين دخلوا دائرة الإدمان بغير رغبتهم وليس لهم إرادة فى ذلك:
كالأشخاص الذين يتعرضون لحالات صحية تستدعى استعمال المواد المخدرة، وبخاصة المورفين المستخدم كمخدر للآلام الشديدة مثل السرطان - العمليات - الكسور - الحروق... الخ.
ويحدث بعدها مشكلة تعلق المريض بالعقار دون قصد أو رغبة.
ثانياً: المتعاطين ذو الشخصيات المضطربة قبل الإدمان:
1- الشخصية السيكوباتية:
شخصية إنسان يحب نفسه فقط ويكره المجتمع، وله سلوك انحرافى وإجرامى، ما دام يخدم أغراضه الخاصة، ولا يشعر بأى ذنب فى إساءاته للمجتمع، لا يخاف ولا يخجل، عدوانى، مرتشى، تاجر مخدرات... الخ.
2- الشخصية الإنطوائيه:
شخصية إنسان حساس، خجول، يعزل نفسه عن الآخرين، ولا يقوى على مواجهتهم، ولا على التعبير عن نفسه وآرائه، يضطرب إذا اضطر للتعامل مع الناس، يلجأ للمواد التى تهدى من توتره وتزيل خجله، كلما اضطرته الظروف لمواجهة الآخرين، ثم بتكرار الاستعمال تقوده للإدمان.
3- الشخصية المتوترة القلقة:
شخصية إنسان مندفع منفعل قلق خائف، لا يستريح، يرهق نفسه ومن حوله بلا سبب، غير قادر على التكيف مع المجتمع، يلجأ للمواد التى تزيل توتره، وتمنحه الهدوء والاسترخاء.
4- الشخصية الإكتئابية:
شخصية إنسان يميل للحزن والانفرادية، لا يوجد عنده رغبة فى الاستمتاع بالحياة، لا يثق فى نفسه، لا يوجد عنده أمل فى الحاضر أو المستقبل، يغلب عليه الإحباط والاكتئاب لأيام ويلجأ للمواد التى تسبب له الانتعاش والفرح والسرور المؤقت.. وتكرار استعمالها يقوده للإدمان.
5- الشخصية غير الناضجة:
شخصية إنسان يثور بسرعة، ينفعل لأتفه الأسباب، يضخم الأحداث البسيطة لضيق أفقه. ثم يهدأ ويعتذر، وبعد ندمه يعود فيكرر نفس الأسلوب، ويكون هذا السلوك المميز له.. يلجأ إلى المواد المخدرة ليتحكم فى انفعالاته.
ينتمى إلى عائلة الأفيون، مهدئ للسعال.
3- الهيروين:
ينتمى إلى عائلة الأفيون، يستخرج من المورفين.
تأثير الهيروين:
1- اختلال فى الشخصية. 2- سلوك منحرف إجرامى.
الأعراض الاسخابية:
غمامة - استفراغ - آلام فى المفاصل - دموع - اتساع حدقة العين - عرق - سخونة - إسهال - تثاؤب - عدم النوم.
4- الكوكايين:
رعشة - ريق ناشف - اتساع حدقة العين - سرعة ضربات القلب.
نفسياً: يقظة وانبساط - نشاط حركى - قلق - عدوانية - هلاوس سمعية وبصرية - فقدان القدرة الجنسية - هياج - مرض عقلى "فصام اضطهادى".
الأعراض الأسخابيه
اكتئاب - اضطراب النوم.
ثالثاً: المخدرات التخليقية:
1- المهدئات:
تهدئ الجهاز العصبى - النشاط الذهنى.
تأثيرها:
دوخة - توهان - عدم اتزان - انخفاض ضغط الدم.
الأعراض الأسخابيه
غمامة - استفراغ - جسم همدان - قلق شديد - حساسية زائدة للصوت والضوء - رعشة - عدم نوم - نوبات صرعيه.
2- المنشطات تنشط الجهاز العصبى
مثل الماكستون فورت، لها تأثير الكوكايين.
3- مواد الهلوسة ينتج عنها هلوسة - تخيلات - تداخل فى الحواس.
تأثيرها:
عدم اتزان - اتساع حدقة العين - سرعة ضربات القلب - ارتفاع ضغط الدم - هلاوس سمعية وبصرية - شعور خاطئ بالقوة - دوافع انتحارية وميل إلى القتل - اختلال فى الشخصية والواقع.
4- مذيبات طيارة:
بنزين - دوكو - الاسيتون - البويات - الكولا.
تأثيرها:
غثيان وقئ - سرعة ضربات القلب - تأثير ضار على المخ - الكبد - القلب - انبساط - عدم اتزان - كلام غير مفهوم - هلاوس بصرية.
7- الأثار الروحية للإدمان
قد يظن البعض أن آثار الإدمان معظمها صحية (جسدية) أو نفسية واجتماعية.. ولكن يجب أن نعلم أن للإدمان آثار روحية خطيرة سوف نتكلم عنها:
1- الإدمان يفسد هيكل الله المقدس:
"أما تعلمون أنكم هياكل الله وروح الله يسكن فيكم؟.. أن كان أحد يفسد هيكل الله فيفسده الله لأن هيكل الله مقدس الذى أنتم هو" (1كو 16:3).
هل يعقل أن آخذ أعضاء المسيح وأسلمها للفساد والإدمان؟ هل يعقل أن تأخذ ذاك الذى نزل المسيح لكى يفتديه ويصلب لأجله وأدمن..؟ الجوهرة التى اشتراها المسيح بدمه لكى لا يهلكها ولكى يعيد إليها بريقها.. هل يعقل أن تبيعها بالتراب مفسداً إياها مع الإردياء؟.
وبعد ذلك فماذا ستنفع؟ ماذا ستنتفع بعد أن تخسر نفسك وتهلكها وماذا يساويها بعد ذلك من كنوز هذه الدنيا؟.. لا شئ.
2- الإدمان يتسلط عليك كسيد قاس:
"لا يستطيع أحد أن يعبد سيدين".. إن استعباد الإنسان لهذا السيد الدخيل.. القاسى سوف يلقى تلقائياً تبعيته لذلك السيد المحب.. الآب الحنون.. فادى البشرية.. لقد تحدث بولس الرسول عن ما يحل لى وما لا يحل لى كابن لله فيقول "كل الأشياء تحل لى ولكن ليس كل الأشياء توافق" (1كو 23:10). "كل الأشياء تحل لى ولكن لا يتسلط على شئ" (1كو 12:6).
فكيف إذن يسلم الإنسان نفسه لهذا السيد القاسى ثم يستطيع بعد ذلك أن يتبع المسيح بعد أن يكون قد فقد حريته وإرادته التى منحها له المسيح "إن حرركم الابن فبالحقيقة تصيرون أحراراً".
3- الإدمان ينقل الشاب إلى مجموعة من الخطايا المتشعبة:
إن انخراط الشاب فى دائرة الخطية يجلب عليه الكثير من الشرور. فكثير من الأحيان لا يجد المدمن المال الكافى لشراء المخدر.. فماذا يفعل.. أنه سوف يضغط على نفسه مرة ومرات.. ولكنه بإدمانه قد أوقع نفسه تحت سطوة سيد قاس سيقوم بالضغط عليه إلى أبعد مما تتصور.. فماذا يفعل الشاب.. إزاء هذه الضغوط.
سيندفع نحو السرقة ليوفر ما يلزمه من مال لشراء المخدر الباهظ الثمن.
سيندفع نحو الكذب والمكر والدهاء للوصول إلى أغراضه.
سيندفع نحو الجريمة بكل أشكالها بحثاً عن التخلص من مظاهر نقص كمية المخدر فى جسمه.. هذا بالإضافة إلى سلوكياته التى ستتصف بالجبن.. والخوف من العقاب أو من ضبطه متلبساً بتعاطى المخدرات، وحيازتها.. أو بسبب رعبه من المستقبل المظلم الذى ينتظره.
4- الإدمان يؤدى إلى الإحساس بالهزيمة والضياع:
ما أبغض وما أقسى على الإنسان أن يشعر بالهزيمة. ما أصعب على الإنسان أن يشعر أنه لا يمتلك القدرة على التحكم فى حواسه وطاقاته أو حتى جسده.
حقاً أنه صعب جداً على الإنسان أن يشعر بأنه قد صار فريسة للإحساس بالفشل.
ولأن الإنسان يعرف أن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح، لذلك فمن المتوقع أن يشعر المدمن أن يد الرب قد تخلت عنه وأن الله قد أسلمه إلى "ذهن مرفوض".. ومن هنا يأتى الإحساس بالضياع خاصة وأنه سيواجه بإدمانه الإحساس بالعجز شبه الشامل.. فى عمله.. وفى تفكيره.. فى القدرة على التركيز,, فى ذاكرته.. فى جسده الهزيل. فى الأمور الجنسية.
ليت المسيح يرحمنا من هذا الشعور البغيض القاتل والإحساس بصغر النفس.