تطور الإنترنت والسياسة في خمسة أقاليم في العالم
كامبردج بوك ريفيوز
يوضح ماركوس فراندا في مقدمة كتابه أنه يبحث فرضيتين رئيسيتين تطرحان عادة حول علاقة الإنترنت بالسياسة الدولية، الأولى أن الإنترنت تطور عبر أناس يعملون خارج أطر البيروقراطية والسياسة وأن الإنترنت لن يخضع للقواعد الكلاسيكية للعلاقات الدولية وسيكون خارج نطاق سيادة الدول وسيطرتها. والفرضية الثانية أن الإنترنت قد يتحول بذاته لأداة سيطرة على نحو غير مسبوق وأن الشركات المسيطرة على الإنترنت ستدخل في علاقة شراكة مع الدول التي ستحافظ على سيادتها وربما تعززها وكل ما هنالك أنها ستستخدم أدوات ووسائل جديدة لهذا الغرض.
وبرأي فراندا فإن الوضعين لم يتبلورا بعد ومايزال مدى الحرية التي سيحظى بها مستخدمو الإنترنت موضع اختبار. وفي اختبار هذين الوضعين يدرس الكتاب أقاليم خمسة عالمية هي دول أفريقيا، والشرق الأوسط، وأوروبا الشرقية، والهند، والصين. وسنركز هنا على معالجة الكتاب للإنترنت في الشرق الأوسط على وجه التحديد.
غلاف الكتاب
-اسم الكتاب: تطور الإنترنت والسياسة في خمسة أقاليم في العالم
-المؤلف: ماركوس فراندا
-عدد الصفحات: 297
-الطبعة:
الأولى 2002
-الناشر: London: Lynne Rienner Publisher
دول العالم والإنترنت
أوجد الإنترنت اختلافا مهما لأنه زاد سرعة إيصال المعلومات ففي السابق كانت تكلفة الاتصال الدولي عبر الهاتف والبرق مرتفعة للشخص العادي، وبالطبع استفادت الشركات والمنظمات الكبرى من الإنترنت، فعلى سبيل المثال ما كان يكلف شركة ما 300 ألف دولار لجمع معلومات عن أسواق عالمية معينة أصبح يمكن جمع 80% منها عبر الإنترنت بتكلفة 2000 دولار فقط.
وبحسب هيئة المعلومات الدولية (IDC) هناك 55 دولة لديها 97% من استخدام الإنترنت وتنفق 99% من الإنفاق الدولي في تكنولوجيا المعلومات.
وهذه الدول تقسم لثلاث طبقات بالنسبة لاستخدامها الإنترنت.
”
في إسرائيل تعد التكنولوجيا العسكرية واحدة من أهم مجالات التطور التكنولوجي ودوافعه، وتتفوق إسرائيل على أوروبا وتقف بين أول خمسة مراكز عالمية في إنتاج برمجيات تكنولوجيا المعلومات
”
الأولى تتكون من الولايات المتحدة، وكندا، والدول الإسكندنافية، واليابان، وسنغافورة، وهونغ كونغ، وستة دول في أوروبا الغربية، وهناك دول مرشحة لدخول هذه الطبقة هي نيوزلندا، وتايوان، وجنوب كوريا، وإسرائيل، والتشيك، وسبعة بلدان في أوروبا الغربية.
في الطبقة الثانية هناك 15 دولة لديها الكثير من المقومات المطلوبة لتصل تطورا عاليا، وتقع في وسط أوروبا وشرقها، وفي أميركا اللاتينية، وفي جنوب شرق آسيا، وجنوب أفريقيا، والإمارات العربية المتحدة، وروسيا، والمكسيك، وتركيا.
أما في الطبقة الثالثة فهناك السعودية، والأردن، ومصر، والصين، وإندونيسيا، وبيرو، والهند، وباكستان، وثلاث دول في أميركا اللاتينية وثلاث دول في جنوب شرق آسيا.
ومن أهم التصورات حول آثار الإنترنت أن المنظمات غير الحكومية (NGOs)، أصبحت بفعل تكنولوجيا الاتصال قادرة على تطوير تحالفاتها في مواجهة سياسات الدول، ولكن الملاحظ أن الكثير من تلك المنظمات تعمل بتنسيق وتفاهم مع الدول، والعلاقة بينهما ليست تنافسية.
وفي ذات السياق هناك من يرى أن الشركات متعددة الجنسية بفضل الإنترنت عززت قوتها وأنها أصبحت أقوى من أن تحتاج دولها الأم لحماية مصالحها، فحجم التجارة الإلكترونية هو نحو 1.3 تريليون دولار يوميا تتم خارج قنوات الدولة الرسمية وبالمقابل هناك من يرفض هذه المقولات لأن التجربة العملية تثبت أن الناس يبدون تعصبا لدولهم وأممهم ويوجهون استثماراتهم بالتناسق مع مصالح دولهم، وأن هناك قوانين ووسائل لضبط السلوك عبر الإنترنت، ففي الولايات الأميركية الخمسين فرض في عام 1999 وحده 2000 قانون لتنظيم شؤون الإنترنت.
”
استثمارات أميركا في التكنولوجيا في إسرائيل تفوق ما في المملكة المتحدة أو آسيا مجتمعة وشرق أوروبا
”
وهذا لا ينفي وجود من يحاول بلورة برامج عملية لتحويل الإنترنت لنوع من الحكومة العالمية من مثل برنامج اقترح في الأمم المتحدة عام 1999 لفرض ضريبة قدرها سنت أميركي واحد لكل 100 رسالة بريد إلكتروني يستخدمها الأفراد، بحيث يصبح ممكنا تحويل هذه المبالغ للدول الأقل تطورا لتنمية برامج الإنترنت فيها. وبحسب هذا المشروع واستنادا لأرقام (1996- 2000) فإن مثل هذه الضريبة كانت ستدر نحو 70 مليار دولار خلال تلك السنوات الأربع.
أفريقيا والدول الأقل تطورا
إذا استثنينا دولة جنوب أفريقيا وأخذنا شهر يناير/كانون الثاني 2000 مثالا نجد أن بلدان أفريقيا الـ 53 بسكانها الـ 734 مليون اتصلوا مع الإنترنت بواقع 25 ألف جهاز جديد وهو معدل أقل مما يزداد في نيويورك وحدها في شهر واحد، فعدد المستخدمين في أفريقيا نحو 1.5 مليون شخص، بما في ذلك مليون في جنوب أفريقيا وحدها. وكلفة ساعة الإنترنت في أفريقيا 14 دولارا للساعة بينما هي 1.45 في الولايات المتحدة، 3.7 دولار في ألمانيا، و 3.25 دولار في المملكة المتحدة، وثلاثة دولارات في باقي أوروبا.
وعمليا ينحصر استخدام الإنترنت في أفريقيا بفئة الشباب فغالبيتهم ما بين 25 – 35 عاما، متعلمين إذ يحمل 87% من المتعاملين مع الشبكة في زامبيا، و98% في إثيوبيا الشهادة الجامعية الأولى. وغالبا ما يستعملونه لأغراض فردية كالحصول على قبول جامعي في الغرب، أو الاتصال بأصدقاء وأقارب هناك.
”
إذا استثنينا دولة جنوب أفريقيا وأخذنا شهر يناير/كانون الثاني عام 2000 مثالا فسنجد أن بلدان أفريقيا الـ 53 بسكانها الـ 734 مليون اتصلوا مع الإنترنت بواقع 25 ألف جهاز جديد وهو معدل أقل مما يزداد في نيويورك وحدها في شهر واحد
”
العرب وإسرائيل
النظرة في الشرق الأوسط نحو الإنترنت مختلفة من بلد لآخر، وبالمجمل هناك تخلف واضح: فسبعة بالألف من سكان المنطقة الـ 280 مليون يستخدمون الإنترنت. بينما في إسرائيل تعد التكنولوجيا العسكرية واحدة من أهم مجالات التطور التكنولوجي ودوافعه وبينما تتفوق إسرائيل على أوروبا وتقف بين أول خمسة مراكز عالمية في إنتاج برمجيات تكنولوجيا المعلومات. وبينما استفادت هذه الصناعة من إعفاءات ضريبية كبيرة ومن تمويل ودعم حكومي أميركي- إسرائيلي مشترك ومن فرص التدريب والتعلم للإسرائيليين في الجامعات والشركات الأميركية، وفتح شركات كبرى لفروع في إسرائيل، مثل موتورولا (1964)، وإنتل (1974)، وشركات أخرى كمايكروسوفت، وفي عام 1998 اشترت الشركات الأميركية ما قيمته 1.5 بليون دولار من أسهم شركات البرمجة الإسرائيلية، وفي شهر مارس/آذار لوحده اشترت بقيمة 1.2 مليار دولار. واستثمارات أميركا في التكنولوجيا في إسرائيل تفوق ما في المملكة المتحدة أو آسيا مجتمعة وشرق أوروبا.
ولكن رغم كل ذلك فإسرائيل ليست متقدمة في الإنترنت بذات المدى ففي يناير/كانون الثاني 2000 كان عدد مستخدمي الإنترنت في إسرائيل نحو 700 ألف شخص أي نحو 12% مقارنة بـ 50% من الأميركيين.
ومن أسباب هذه المفارقة أن صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية موجهة لحد كبير للصناعات العسكرية، وأن قطاع الاتصالات محتكر من قبل شركة بيزيك الحكومية، مما يجعل أسعار الاتصالات الهاتفية عالية، وقد جرت عام 2000 محاولات جادة لخصخصة الشركة لكن معارضة بعض الجهات في الحكومة، ومخاوف العاملين في الشركة، واندلاع الانتفاضة الفلسطينية أدت بالمستثمرين الأميركيين المرشحين لشراء الشركة لإعادة حساباتهم أوقف المشروع.
بالعكس من إسرائيل هناك تردد عال في باقي الشرق الأوسط لتبني تكنولوجيا المعلومات. ويذهب الكاتب في تفسيره لهذا التردد للأسطوانة المعهودة للمستشرقين، بأن السر في الحضارة، ويقفز الكاتب للقرن الخامس عشر ليقول إنه منذ ذلك العصر لم يطور العرب قدراتهم في عالم المواصلات في حين كانت أوروبا وآسيا تطور سفنا معقدة ساعدت على توسع تجارتها، وأن العرب يقفون موقفاً سلبياُ من التكنولوجيا الغربية. ولكن الكاتب يذكر أيضا أن التخوف السياسي لبعض الحكام له دور مهم في هذا التردد، ويقول إن المحرمات الثلاثة: السياسة والدين والجنس هي سبب في التردد. ويشير إلى أن احتواء الشبكة لمواقع إباحية ينال تركيزا كبيرا من حكومات المنطقة مع أن التخوف من الأثر السياسي أكبر.
”
اقترح برنامج في الأمم المتحدة عام 1999 لفرض ضريبة قدرها سنت أميركي واحد لكل 100 رسالة بريد إلكتروني يستخدمها الأفراد، بحيث يصبح ممكنا تحويل هذه المبالغ للدول الأقل تطورا لتنمية برامج الإنترنت فيها. وبحسب هذا المشروع واستنادا لأرقام (1996- 2000) فإن مثل هذه الضريبة كانت ستدر نحو 70 مليار دولار خلال تلك السنوات الأربع
”
ولكن عدا العراق التي سنت عام 1997/1998 قانونا يحظر الدخول للإنترنت لا توجد دول تضع حظراً قانونياً على استخدام الإنترنت. ويشير إلى أن خطوة السعودية عام 1999 بالسماح لـ 41 شركة للعمل كمزود لخدمة الإنترنت شكل نقلة نوعية في الإنترنت في الشرق الأوسط، ويرد الكاتب مثل هذه التحولات لجهود أفراد مثل الأمير الوليد بن طلال ذي الثروة الضخمة التي تصل 20 مليار دولار وتجعله ثامن أغنى شخص في العالم، وهو يستثمر في شركات تكنولوجيا دولية ضخمة.
ومن الدول الـ 55 المشار إليها آنفا، وحسب أرقام عام 2000، تحتل إسرائيل المرتبة الـ 20، والإمارات العربية المتحدة الـ 25، والسعودية 41، والأردن 49 ومصر الـ 50. وتبرز الإمارات العربية وحدها في الشرق الأوسط العربي بكونها تتبنى البرامج الجادة والواضحة لبناء صناعة تكنولوجيا معلومات حديثة ويترافق مع هذه البرامج بناء مراكز بحثية متطورة مثل مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.
وعموما لازال الإنترنت في الشرق الأوسط يعاني العديد من القيود مثل الضرائب والتكلفة العالية، ومن قيود رجال الدين ومحاربتهم لاستخدام الشبكة، أو على الأقل قصر استخدامها لجوانب عملية معينة، وهذا ليس في دول كإيران وحسب ولكن حتى في إسرائيل. وفي دول كالأردن الذي قد يعد أكثر الدول ليبرالية في التعامل مع الإنترنت رغم حجبه مواقع صحفية خارجية معارضة ولكن الكلفة المادية لاتزال تحد من أعداد مستخدمي الشبكة.
وبالعكس في السعودية والإمارات هناك سياسة حذرة لا سيما بشأن المواقع الإباحية والقمار، بما يصل لدرجات زائدة عن الحد في السعودية، من مثل حجب مواقع عن سرطان الثدي والإيدز باعتبار أنها تضم أمورا جنسية. ولكن في السعودية أيضاً هناك من يرتبط بخدمة الإنترنت عبر شبكات ومزودين للخدمة من أوروبا والولايات المتحدة ولبنان.
سوريا تبرر عدم تسهيل انتشار الإنترنت بضعف شبكة الهواتف المحلية، لذا لا يوجد سوى سبعة آلاف مستخدم للشبكة ولم تطبق شركة الاتصالات السورية نظام بريد إلكتروني إلا عندما وجدت أن هناك مئات يتلقونها من أطراف دولية، وإذا كان الرئيس بشار الأسد يشجع المزيد من استخدام الإنترنت فإن قيادات سياسة وعسكرية أخرى تتحفظ على ذلك.
”
التجربة العملية تثبت أن الناس يبدون تعصبا لدولهم وأممهم ويوجهون استثماراتهم بالتناسق مع مصالح دولهم، وأن هناك قوانين ووسائل لضبط السلوك عبر الإنترنت، ففي الولايات الأميركية الخمسين فرض في عام 1999 وحده 2000 قانون لتنظيم شؤون الإنترنت
”
من جهة أخرى قامت جميع الحكومات العربية تقريبا بتوفير مواقع على الإنترنت إن لم يكن لتقديم معلومات عن الدولة فللرد على معلومات تقدمها دول وجماعات معادية ومعارضة، وتعتبر قطر ودبي الأكثر تقدما في مواقع هذه الدول، أما من حيث التجارة الإلكترونية فخلال 14 شهراُ من عامي 1998 و1999 لم تتجاوز هذه التجارة 95 مليون دولار 84% منها لشراء بضائع متعلقة بالكمبيوتر وبرامجه، و18% منها فقط من موردين من داخل الشرق الأوسط.
ربما تكون الأردن تحت حكم عبد الله الثاني